مفكرة الإسلام : 'يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، قالوا: أو من قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: كلا بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله المهابة من قلوب عدوكم ، وليقذفن في قلوبكم الوهن، قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت'.
بهذا الحديث والذي يعد علمًا من أعلام النبوة، يوصف لنا النبي صلى الله عليه وسلم وبدقة متناهية واقعنا المرير الذي تحياه أمة الإسلام في هذا الزمان، فعلى الصعيد الخارجي ها هي أمم الكفر من اليهود والصليبيين قد تداعت علينا، كل يريد أكل نصيبه من قصعة الإسلام، والتي أصبحت حلاً مستباحًا لكل من هب ودب من أعداء الله، ففي الوقت الذي ما زال فيه جرح الأمة يسيل في القدس الشريف، اذ بها تبتلي بجراح أخرى لا تقل عنها نزفا في الشيشان، ثم في أفغانستان وأخيرًا في العراق والبقية تأتي.
وعلى الصعيد الداخلي: فالمأساة أقوى وأشد، فقد انحرفت جماهير الأمة عن شرع الله تعالى، انتشر الفساد وخربت الأخلاق، وعرفت الشعوب في حب الشهوات والملذات، وعطلت أحكام الله تعالى، دب الوهن في قلوب المسلمين، وتخلفوا عن ركب الحضارة والتقدم، انتشر الجهل والتخلف أصبحنا في ذيل الأمم، نتقوت على فتات الحضارة الغربية، بعد أن كنا أساتذة النهضة والمدنية، ساد فينا نموذج العاجز الكسلان بعد أن كنا فرسان الإنجاز والفاعلية، ضاع منا زمام القيادة بعد أن كنا قد:
ملكنا هذه الدنيا قرونا
وأخضعها جدود خالدونا
وسطرنا صحائف من ضيا
فما نسي الزمان ولا نسينا
ولكن:
وما فتئ الزمان يدور حتى
مضى بالمجد قوم آخرونا
وأصبح لا يرى في الركب قومي
وقد عاشوا أئمته سنينا
وآلمني وآلم كل حر
سؤال الدهر .. أين المسلمونا؟
ويقف المؤمن الحر أمام هذا الواقع متفكرًا أين المخرج؟
ما السبيل إلى عودة هذه الأمة لتسلم لواء السيادة الذي أوجب الله عليها حمله {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة:143].
{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:110].
ما الطريق إلى تبوأ أمتنا لهذه المكانة العلية؟ واعتلائها لذري المجد والسؤدد والحضارة والتقدم، والعزة والتمكين، والجواب أن هذا الطريق الشاق يبدأ منك أنت أخي المؤمن، بهذا أخبرنا الله تعالى في كتابه: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد:11].
إن الطريق إلى بناء الأمة يبدأ من بناء الفرد المؤمن، ولكنه البناء الكامل الشامل وحده الذي يمكن أن يحدث النهضة، إننا نريد نموذج المؤمن الفعال لا المؤمن العاجز السلبي ذلك أن مهمة النهوض بهذه الأمة من كبوتها الحالية مهمة شاقة عسيرة لا يكفي للقيام بها عاجز ضعيف الشخصية، ناقص القدرات والمهارات حتى لو كان على قدر كبير من الصلاح والتقوى، إننا نخطئ كثيرًا حينما لا نفصل بين منزلة الإنسان عند ربه والتي معيارها التقوى والطاعة، وبين صلاحية هذا الإنسان لتولي زمام القيادة، ومهمة التغيير، وهذا نبينا صلى الله عليه وسلم يقول في أبي ذر رضي الله عنه: 'ما أقلت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر'.
ومع ذلك يمنعه صلى الله عليه وسلم من تولي القيادة فقال له: 'يا أبا ذر إني أراك ضعيفًا فلا تولين إمرة اثنين'. وما ضر ذلك أبا ذر ـ رضي الله عنه ـ ولا نقص من قدره شيئًا بعد أن انتصب أستاذًا في الزهد، وتربية المسلمين بالقدوة واللسان الدعوى الناطق، ولكن لكل مهمة مقوماتها، ولكل دور رجاله، وكل ميسر لما خلق له.
ومجتمعاتنا اليوم تنوء بأثقال السلبية والتخلف تترك آثارها ولا شك على كل مؤمن، ولذلك لا بد أن نعلم أن المؤمن التقي الصالح الذي يفتقد الشخصية القوية المؤثرة، ذات المهارات والقدرات قد لا يستطيع أن ينهض بحمل الأمانة، والقيام بالمسئولية، من أجل ذلك فيجب أن نعمل في هذه الأيام على بناء المؤمن القوي الفعال الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: 'المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف'.
وفي طريق البناء المنشود نحتاج إلى منهج واضح لبناء هذا النموذج الفذ ولا بد أن يقوم هذا المنهج على ركيزتين أساسيتين:
1ـ بناء الإيمان.
2ـ بناء القوة في الشخصية عبر إتقان فنون التأثير والفاعلية