إن المُشاهِد للبرامج التلفزيونية يرى الاهتمام الكبير بالعنصر النسائي، وذلك يعود لأهداف كثيرة متباينة، فبين قناة ملتزمة أخلاقياً كقناة اقرأ ترمي إلى إبعاد التهمة عن الإٍسلام، وإظهار دور كبير للمرأة، وأن النساء في الإسلام شقائق الرجال، وبين قناة أخرى تستخدم المرأة كسلعة تجارية، تهدف من خلالها إلى الربح المادي، أو بث الفساد الأخلاقي في المجتمع. ولا يخفى أن وجود المرأة في أكثر وسائل الإعلام الحديثة يستخدم استخداماً سيئاً لا يرضى عنه الله ورسوله، ولا ترضى عنه الإنسانية والفطرة السليمة. وقد دأبت وسائل الإعلام على تقديم الكاسيات العاريات على شواطئ البحار، وفي النوادي الليلية، والحفلات الراقصة، على أنهن الزمرة الصالحة، والفئة الكريمة من السيدات، ليكن قدوة للبنات المؤمنات. وقدمت هذه الوسائل - خاصة التلفزيون- جريمة الجنس والزنا في الثوب الزاهي، وعرضت قصص الجريمة، وعلمت سرقة بيوت الناس، وكيفية الترصد لبنات الجيران، والطريقة السيئة في معاملة البنات من الأقارب.. "ودافعت عن أدب الفراش والجنس، وعن إثارته، من أجل الكسب المادي، والمنافسة غير الشريفة، [لأن الجنس مثل المخدرات، لا يزال طالبه في شوق وتلهف وطمع في ازدياد] ونفَّذت من حيث تدري أو لا تدري هدفاً واضحاً من أهداف بروتوكولات حكماء صهيون، وحرضت المرأة على الاندفاع وراء الرغبات الجنسية غير السوية، وإلى السخرية من القيم الإسلامية، والمسؤولية الاجتماعية للطفل والزوج، وحملت الصورة المثيرة، والتعليقات المبتذلة، والأنباء الهابطة. وكرمت وسائل الإعلام الراقصات والمغنيات والمغنين والممثلات والممثلين، وأعلت من شأنهم، وأطلقت عليهم ألقاب البطولة والنجوم والكواكب ومعبودي الجماهير والشعب، حيث كان كل هذا وأمثاله صورة لرحلة الضياع والمؤامرة والهزيمة ومسيرة الضلالة... فمن أين جاء الإعلام العربي المعاصر بالبطولة يلصقها بفريق من الناس فيهم السكارى، وفيهم المنحرفون... أما مسابقات العري في أروقة الفنادق الكبرى، ومسابقات اختيار ملكات الجمال، وتشكيل لجان تحكيم لاختيارهن من خلال قياس صدورهن وأوراكهن وسعة عيونهن، ولون شعورهن، وأسلوب الحركة والالتواء والثني والغنج، ومن إعلان اللجنة فوز فتاة عربية من حفيدات الخنساء وخولة ملكة جمال قُطْر، أو وطن، أو عالَم، كل هذا يتم من خلال هالات القداسة والتكريم والاحترام من قبل وسائل الإعلام." (محمد منير سعد الدين، الإعلام قراءة في الإعلام المعاصر والإسلامي، بيروت، دار بيروت المحروسة، ط2، 1418هـ/1998م، ص112). ولم يقف هذا الصنف من الإعلاميين- وخاصة الأجانب الغازين- عند هذا الحد، بل ما تركوا لوناً من ألوان الإضلال والإفساد إلا فعلوه، فأنتجوا الأفلام العارية، وباعوا في الأسواق الصور الخليعة، ولما كانت هذه الأعمال مما تمجها الفطرة الإنسانية لم يستطع منتجوها في البداية أن يقدموها في السينما والتلفزيون لفظاعتها وخطورتها قدموها في الأسواق على أشرطة فيديو، واليوم يقدمونها في الإنترنت، وكثير منها دون مقابل مادي، والخطورة الكامنة هنا أن الشاب أو الفتاة أو غيرهم من الأطفال والكبار يستطيعون أن يشاهدوا هذه الأفلام بشكل إفرادي، بعيدين عن الرقابة العائلية والقانونية. ومن المؤسف أن كثيراً من الناس اعتادوا على هذه المَشَاهِد الماجنة، وصار مُصَدِّروها يُقَدِّمونها في قنوات فضائية خاصة، ووصل بثُّها إلى بلادنا العربية، وصار المراهقون والمراهقات حتى الكبار والأطفال يشاهدون هذه القنوات ليل نهار. ولا يقف حدّ هذه الأفلام عند عرضها للعملية الجنسية الطبيعية، بل تتعداها "إلى عرض مظاهر الشذوذ الجنسية التقليدية من لواط وسحاق وأنواع أخرى من الشذوذ، مما سبب أنواعاً من الأمراض الفتاكة المدمرة، ودفع كثيراً من المؤسسات في الغرب إلى المناداة بوقف هذا الزحف اللاأخلاقي. لقد أصبح مشاهدو هذه الأفلام عبيداً لشهواتهم، بحيث لا يميزون بين الزوجة والأخت والأم، وبحيث أصبح إصلاحهم من الأمور الصعبة. وكان لهذه الأفلام أيضاً آثارها في التسبب بمشكلات اجتماعية داخل البيوت المستورة، قد تصل إلى فراق الزوج زوجته، والزوجة زوجها، بسبب رفض أحدهما السير في طريق صاحبه الذي يكون قد تورط في السير في طريق الشيطان، فَمَلَكَ عليه قلبه وجوارحه، وبحيث أصبح من السهل عليه أن يترك زوجه بدلاً من أن يترك شهوته. هذا وإن السير وراء هذا النوع من الأفلام الجنسية، وبخاصة من قبل بعض تلاميذ وتلميذات المدارس وطلاب الجامعات سيوقعهم في مشكلات عديدة، منها الفشل في الدراسة،" (المرجع نفسه، ص191) ومن هنا نستشعر الخطورة العظيمة، والقنبلة الموقوتة في وسائل الإعلام الحديثة. ويمكن لنا أن نلقي نظرة سريعة على وجود الجنس في وسائل الإعلام، آخذين على ذلك مثلاً وسائل الإعلام الأمريكية، فهي أكثرها انتشاراً، وأفلامها معروضة في كل العالم، "والدراسات الأكاديمية تشير إلى محتوى هذه الوسائل على الشكل التالي: أولاً- عروض الفيديو: 1_ حوالي نصف الأغاني الأمريكية المصورة تدور حول الحب الرومانسي والحب الجنسي. 2_ من ربع إلى ثلث الشخصيات التي تقدم عروض الفيديو يرتدون ملابس بطريقة مثيرة أو استفزازية. 3_ حوالي (60%) من عروض الفيديو تعكس مشاعر جنسية. 4_ أكثر من نصف عروض الفيديو تتضمن مشاهد عنف، وأكثر من ثلاثة أرباعها تتضمن مشاهد جنسية. ثانياً- المسلسلات: 1_ في المتوسط تتضمن كل ساعة من المسلسلات الأمريكية (1.5) فعل جنسي فاضح، كما تشير المسلسلات إلى حدوث الاغتصاب كل إحدى عشرة ساعة في المتوسط. 2_ تمثل الأنشطة الجنسية التي تحدث بين غير المتزوجين من أربعة إلى خمسة أضعاف ما يقع في الواقع الأمريكي. 3_ في مسلسل أمريكي واحد استغرق ستة أشهر وقع ثمانية حوادث طلاق، وأربع حالات انفصال بدون طلاق، وست حالات شروع في الطلاق، وواحدة وعشرون علاقة جنسية كاملة بدون زواج. ثالثاً- الوسائل الأخرى: 1_ أكثر من ثلث إعلانات الشبكات الأمريكية تحتوي على إيحاءات جنسية واضحة. 2_ تصل نسبة مبيعات أشرطة الفيديو الجنسية ما بين (15-25 %)." (حسن عماد مكاوي، أخلاقيات العمل الإعلامي، د.م، الدار المصرية اللبنانية، ط1، 1414هـ/1994م، ص330) والواقع فإن هذه الأفلام الفاسدة والعروض الساقطة تستخدم في سبيل مصالح فاسدة، وتتخذها الإدارة الصهيونية "أداة لهدم معتقدات الشعوب وقيمها وأخلاقياتها.. وظهرت الموجات تلو الموجات من أفلام الجنس والجريمة والرعب في محاولة للتأثير على الشباب في العالم،" (محمد ثروت كيره، انحرافات الشباب ودور الشرطة وأجهزة الإعلام في التصدي لها، د.م، نشر معهد الدراسات العليا لضباط الشرطة، د.ت، ص61) واستطاعت أن تُؤَثِّر وتُخَرِّب وتُغَيِّر، حتى صار كثير من شباب المسلمين وغيرهم يتخبطون في ليل الظلمات، وبحار الضلال. والإسلام لا يمنع التحدث عن الجنس كعِلم، بل هو يطرحه بصراحة واضحة، وإن المطلع على الآيات القرآنية والأحاديث النبوية يرى الإسلام قد أسهب في الحديث عن هذا الأمر، غير أن طريقة عرضه كانت بالكلمات اللطيفة، والألفاظ الجميلة التي تؤدي المعنى، وتبلغ الغاية، من غير أن تثير شهوة في النفوس الجامحة، وهكذا استطاع الإسلام أن يقدم الدواء الشافي، ويدخل إلى أعماق النفس البشرية، ويعلِّم أتباعه أصول العلاقة الجنسية بين الزوج وزوجته، وإن شئت فقل أنه علمهم طرقاً فَنِّيَّة صحيَّة راقية تنمِّي الحب في العلاقة الصحيحة التي باركها الله سبحانه، وهو من أجل عدم نشر الفوضى، وعدم الإساءة للعلاقة الزوجية حرم كل علاقة سواها، وكل ما يثير الغريزة الجنسية في الرجل والمرأة، من مشاهد حقيقية أمام الأعين وغيرها، سواء كانت صوراً فوتوغرافية أو تلفزيونية أو معروضة في أي وسيلة أخرى. أما ما يتبجح به بعض الناس من أن رؤية المشاهد الجنسية يعتبر دواءً ومهدئاً للشباب غير القادرين على الزواج، فهو محض افتراء، يخالفه الواقع وعلم النفس، فقد ثبت أن الإثارة الجنسية محتمة في وسائل الإعلام، وأن لها مضارها الخطيرة، إذ "لا يمكن التحكم في السلوك الفطري ممثلاً بالغريزة الجنسية متى ما أثير، فلا يمكن أن نقول إن المشاهد الجنسية التي يعرضها التلفزيون، أو تنشرها الصحف، لا تؤثر في الأفراد إلا إذا كان لديهم الاستعداد أن يثاروا جنسياً؛ لأن الغريزة الجنسية سلوك فطري موجود لدى كل إنسان، بغض النظر عن البيئة التي يعيش فيها، ويمكن أن يثار بنفس الطريقة، وفي أي مكان، ولأي شخص." (محمد بن عبد الرحمن الحضيف، كيف تؤثر وسائل الإعلام، الرياض، مكتبة العبيكان، ط1، 1415هـ/1994م، ص12). ونتائج الدراسة للإثارة الجنسية في وسائل الإعلام أصبحت معروفة، حيث كان من أهمها ما يلي: (المرجع نفسه، ص76) 1_ إن تعرض الشخص الغاضب لمشاهد فيها إثارة جنسية تؤدي به إلى أن يكون أكثر عدوانية في سلوكه تجاه الآخرين الذين قد يختلفون معه، حالة الغضب قد تكون لأكثر من سبب؛ فقد تكون بسبب اليأس أو الإحباط أو الفشل، أو ربما الاستفزاز من قبل أشخاص آخرين، وإذا ما تعرض الإنسان قاصداً أو غير قاصد، لما يمكن أن يثيره جنسياً وهو في تلك الحالة، فإن لجوءه إلى التصرفات العنيفة في حسم خلافاته مع الآخرين أمر وارد جداً. 2_ إن المشاهد المثيرة جنسياً تقود إلى سلوك عدواني، لأن الإثارة بحدّ ذاتها حالة هياج عاطفي، ونوع من السلوك الغاضب، الذي يؤدي بدوره إلى ردود فعل عدوانية، فالشخص المثار جنسياً يسعى إلى (الانتقام) لذاته بسلوك يؤدي إلى تهدئة التهييج العاطفي، كالاعتداء على القُصَّر، أو تخريب الممتلكات، أو إيذاء الآخرين. 3_ إن التعرض المستمر للمشاهد التي تتضمن إيحاءات جنسية تشجع على الاغتصاب، وذلك من خلال إحساس الفرد أن فعله أمر عادي ينطوي على المتعة، وليس جريمة يمكن أن يعاقب عليها، كما أنه بدافع هذا الإحساس يمكن أن يعتقد أنه يستطيع أن يقدم على الاغتصاب، ثم ينجو من العقاب بسهولة. كما أن هذه المشاهدة سبب هام في الجرائم المتزايدة، "يقول أحد مفتشي الشرطة في أمريكا: لا توجد أية جريمة قتل جنسية في تاريخ إدارتنا إلا كان القاتل فيها قارئاً للمجلات الجنسية، والكتب الداعرة." (محمد منير سعد الدين ، الإعلام قراءة في الإعلام المعاصر والإسلامي، (مرجع سابق)، ص182). 4_ إن التعرض المستمر للمواد الإعلامية التي تقدم فيها المرأة كهدف لاستثارة الإيحاءات الجنسية، ولو بشكل غير مباشر، مثل وضع المرأة الجميلة على غلاف المجلة، أو استخدامها في الإعلانات، يقود إلى احتقار المرأة، والنظر إليها كشيء منحط يستخدم للذة فقط. 5_ يؤدي التعرض المستمر لكل ما يتسبب في حدوث الإثارة الجنسية إلى نشوء موقف متسامح تجاه الرذيلة والفساد، فالفرد الذي يجد أنه قد استثير جنسياً مرة وأخرى، يصبح أكثر قبولاً وأكثر تسامحاً مع الفساد الأخلاقي، لأنه يعتقد أنه في النهاية سيوفر له فرصة يشبع فيها رغبته وغريزته التي تحركت بسبب تعرضه لتلك المشاهد المثيرة جنسياً. وهذا التعرض المتواصل "يولد نوعاً من التبلد وعدم الإحساس، أو حالة كحالة التطعيم ضد المرض، إن الجرعات المتتالية من المفاهيم والقيم التي نتلقاها من وسائل الإعلام، تشبه الأمصال التي نحقن بها لكي تقل، إن لم تنعدم قدرة الجراثيم على التأثير في أجسامنا، فاستمرار تعرضنا لمشاهدة العنف والجريمة والجنس، مثلاً، يخلق لدينا حالة من اللامبالاة تجاهها، وعدم النفور منها… والفرق بين التطعيمين أن التطعيم الطبي يحصننا ضد الأمراض بمشيئة الله، أما التطعيم الإعلامي فإنه يصنع في نفوسنا اللامبالاة، وتبلد الأحاسيس ضد كثير من المنكرات والمشاهد المنحرفة التي تعرضها وسائل الإعلام." (محمد بن عبد الرحمن الحضيف، كيف تؤثر وسائل الإعلام، (مرجع سابق)، ص19). 6_ تؤدي كثرة التعرض للمواد الإعلامية ذات المضامين الجنسية إلى تكوين شعور لدى الفرد عن الآخرين، مؤدّاه أن كل ما يفعلونه له علاقة بالجنس بطريقة أو بأخرى، فحيث سيطر الجنس على تفكيره، وأصبح في حالة استثارة دائمة، صار يسقط هذه الحالة النفسية على الآخرين، فهو حينما يرى رجلاً وامرأة يفسر علاقتهما على أساس جنسي، رغم أنهما قد يكونان أخاً وأخته، كما أن تصرفات الناس وحركاتهم في الأماكن العامة تفسر تفسيراً جنسياً؛ فمثلاً تلك المرأة التي أصلحت من هيئتها إنما أرادت أن تلفت انتباهه، والأخرى التي مرّت من المكان نفسه مرتين إنما تخفي شيئاً، وهكذا.. حتى قد يصل الأمر به أو بها إلى تفسير علاقات الناس على أساس جنسي، ففلان يقيم علاقة مع فلان طمعاً في أخته أو بنته، وفلانة تتقرب من فلانة رغبة في أخيها. هذا عدا كثير من الأمراض النفسية التي تحدثها تلك المشاهد الخليعة، والتي هدمت بيوتاً، وخربت نظام أُسَرٍ، الله أعلم بعددها وأحوالها. ولا يخفى أن من بين تلك الأمراض إزالة الغيرة من نفس الإنسان، فهو لا يغار على أحد من أهله ولا على نفسه، وهكذا نرى أن هذه المناظر المحرمة تخرب فطرة الإنسان وطبيعته. الدكتور مصطفى أحمد كناكر كتبت عام: 2003م. |
استخدام المرأة في التلفزيون وبعض آثاره
اسيل الشوق- عضو مبتدئ
- عدد الرسائل : 95
الشكر : 0
نقاط : 60840
تاريخ التسجيل : 01/05/2008
- مساهمة رقم 1