في
مثل هذا اليوم وتحديدا في 6 مايو 2002 رحل عن دنيانا رجل علمنا معني
الإنضباط والإلتزام والمباديء والنجاح . رجل قاد فريق بحجم الأهلي كلاعب
وكإداري ثم كرئيس . رحل عن دنيانا المايسترو صالح سليم عن عمريناهز 72
عاما .
ولد صالح سليم في 11 سبتمبر1930 بحي الدقي .
لعب أول مباراة مع الفريق الأول بالأهلي في 1 فبراير عام 1948 . وفي عام
1962 خاض المايسترو تجربة إحتراف في النمسا مع فريق جراتس ولكنه عاد بعد
أربع سنوات . أحرز المايسترو بقميص الأهلي 19 بطولة منها 11 بطولة دوري و
8 بطولات كأس مصر . كما فاز مع المنتخب الوطني ببطولة كأس الأمم الأفريقية
عام 1959 . سجل 78 هدفا في الدوري و 14 هدفا في الكأس .
عمل
الراحل الكبير كمدير للكرة عام 1971 وبعد عام أصبح عضو بمجلس إدارة النادي
قبل أن يصبح رئيسا للنادي أعوام 1980 , 1984 , 1992 , 1997 وحتي رحيله .
ومن
أطرف المواقف في حياة المايسترو كان في لقاء الأهلي والمنيا في عام 1962
وإحتسب الحكم للفريق ركلة جزاء ووقف المايسترو علي التسديد ولكنه فاجأ
الجميع بتمرير الكرة للجوهري الذي سجل منها الهدف ليفوز الأهلي 5/0 .
بالطبع لن يحتاج الجمهور أي طلب لأنه بدون شك سيقرأ الفاتحة لرجل من الرجال الذين ضحو من أجل الأهلي .
صالح سليم ( المايسترو )
تنظر
إلي وجهه تري الإنضباط والإلتزام فهو كاره بطبيعته للتسيب والإستهتار
واللامبالاة . قدم للأهلي ولمصر كلاعب ومن ثم كإداري الكثير والكثير .
ينظر إليه الكثيرون من أبناء المحروسة علي أنه رمز للكرة في الأهلي بل في
مصر والوطن العربي . كان لاعبا قائدا في أرض الملعب لدرجة أنه لطم أحد
زملائه علي وجهه في مباراة لأنه لم يؤد دوره بجدية , فهو لاعب يحترمه
الجميع ويخافه غير المنضبطين . كان إداريا محنكا تمكن مع كابتن عبده صالح
الوحش من أن يعيد الفريق لطريق الإنتصارات بعد إنتكاسة الستينيات . أصبح
رئيسا للنادي الأهلي وتسلم جائزة لقب نادي القرن ويا للمصادفة أن يتسلم
هذه الجائزة هذا الشخص . هو الشخص الذي يحترمه خصومه ( إن وجدوا ) قبل
أنصاره . هو الكابتن محمد صالح محمد سليم . ولد في يوم 11 سبتمبر عام 1930
بحي الدقي , والده هو الدكتور محمد سليم ووالدته هي السيدة زين الشرف .
بدأت
حكاية الصبي الصغير مع الكرة وهو في مدرسة الأورمان حيث أعلنت الإدارة
تخبر الطلبة أنه بإمكان أي طالب يري في نفسه القدرة علي لعب الكرة التقدم
لسيد أفندي المشرف العام للإنضمام بعد الإختبار لفريق المدرسة , ولكن كان
هذا المشرف شخصا صارما يقوم بتوبيخ الصبي لأنه كان يلعب الكرة كثيرا لدرجة
تجعل ثيابه دائما في حالة يرثي لها وهو ما يتنافي وقواعد المدرسة فتردد
محمد في التقدم له بطلب للإشتراك في فريق المدرسة قبل أن يحسم الأمر مع
نفسه ويقرر التقدم لسيد أفندي .
ونجح
الطالب الصغير ( كان في الصف الرابع الإبتدائي ) ووقع الإختيارعليه ليلعب
في فريق المدرسة لتبدأ بذلك الخطوات الأولي في مشوار طويل إمتد لسنوات
وسنوات من العطاء غير المنقطع . ولكن هل تتخيل عزيزي القاريء أن هذا
العملاق الذي ألفناه جميعا شامخا بدأ مدابعة الكرة وهو مهتز لعدة أسباب
أولها إختلاف حجم الكرة عن الكرة التي إعتاد اللعب بها وثانيا كبر حجم
الملعب عن المساحة التي كان يلعب فيها من قبل. والعجيب أن المشرف في هذه
الأيام البعيدة شمت في الطفل المتعثر لأنه كان يزعجه بشقاوته - وهنا يبرز
تساؤل وهو هل لو علم سيد أفندي أن هذا الغلام سيكون هو صالح سليم هل كان
سيعامله كذلك ؟ ولكن علينا ألا نغفل دور المشرف في فرض الإنضباط بالمدرسة
ويأخذنا عشقنا لهذا الرمز للقسوة علي هذا المشرف - وقال له " إنت بس شاطر في الشقاوة والزعيق وساعة الجد هنا تعبت ومش قادر تجري! إنت باين عليك مبتعرفش تلعب " ( نقلا عن موقع صالح سليم )
وهنا
تفجرت في نفس الصغير كل الطاقات الكامنة في نفسه وإنطلق كالمارد يريد أن
يلامس النجوم بيده . وفي يوم الإختبار كان اللقاء بين فريق صالح وفريق
المدرسة الخيرية الإسلامية وكان يوما صعبا علي نجمنا فخسر فريقه اللقاء و
كسر ذراع الفتي الصغير ولكنه لم يستسلم فكافح وأصر علي المواصلة في نفس
الإتجاه وهو الأمر الذي لمسه السيد حسين كمال فطلب من الدكتور محمد سليم
إنضمام نجله للأهلي فوافق , وكان الناشيء المنضم حديثا للأهلي يذهب كل يوم
جمعة للنادي وذلك بجانب اللعب في المدرسة السعيدية حين وصل للمرحلة
الثانوية وقد إلتحق صالح للمدرسة وسط إستقبال حافل من الجميع وتوقع المشرف
علي نشاط الكرة بالمدرسة السيد أحمد مصطفي مستقبلا مشرقا للشاب الصاعد .
ويبقي شارع عكاشة مسرحا لتألق الطالب الذي يلعب في ناشئي الأهلي حيث كان
الناس تتوقف لتشاهد الصغار وهم يداعبون الكرة .
لم
يتعجل الفتي الصاعد حجز مكان ثابت له في تشكيلة الأهلي فكان واقعيا وركز
في تلك الفترة علي إحراز الكؤوس مع فريق المدرسة وكذلك اللعب مع الأهلي
وكان يدرك أنه يسير في الطريق السليم المؤدي للنجاح . ولإثبات أن صالح
سليم قائدا بالفطرة تجري في عروقة روح الحسم ( وهو أمر لا يحتاج إثبات ولا
لبرهان ) فقد كان طالبا في الصف الثالث بالمدرسة السعيدية الثانوية حين
وقعت أزمة بين زميل له في النشاط الرياضي بالمدرسة وإدارة المدرسة فساند
صالح زميله بشدة ولكن ما لبثت الأمور أن تطورت لأزمة بينه هو شخصيا وبين
الإدارة فقرر الرحيل عن المدرسة والتوجه للمدرسة الإبراهيمية ولحقه بعض من
أصحابه . لم تنته القصة عند هذا الحد ففي مباراة له مع فريق مدرسته
الجديدة أمام فريق حلوان تأخر الفريق في النتيجة في الشوط الأول فأعطي
صالح لزملائه دشا ساخنا في الإستراحة ورفض توزيع الفاكهة علي زملائه ( كان
هذا أمرا متعبا أن توزع فاكهة علي اللاعبين ) لأنهم لا يستحقوا المكافأة
وبدأ الشوط الثاني فأحرز صالح هدفين ليفوز الفريق بثلاثية , كل هذا يصدر
من طالب في المرحلة الثانوية ولكن لا عجب إذا علمنا أن هذا الطالب هو صالح
سليم . و حان وقت المباراة التي إنتظرها اللاعب بفارغ الصبر أمام فريق
مدرسته القديمة فأحرز هدفا ولكنه لم يشفع لهم حيث فاز الفريق المنافس 2/1
.
ويظل
عام 1944 عاما فارقا في حياة المايسترو حيث تدرب تحت قيادة الرمز الكبير
الكابتن مختار التيتش فبدأ يؤدي بكل جدية و وبكل ما أوتي من قوة وهو الأمر
الذي أعجب مدربه جدا فإختاره لأول مرة في الفريق الأول في مباراة المصري
التي أقيمت في ديسمبر 1947 وأحرز حينها اللاعب الصاعد هدفا ليفوز الأهلي
2/1 . أما أول مباراة رسمية له فقد كانت أمام يونان إسكندرية في الدوري
المصري 1948 وفاز الأهلي 2/0 . و تميز نجمنا بميزة مهمة جدا وهي عدم
إستعجال اللعب مع الفريق وإنما شغل باله بتجهيز نفسه دائما بدنيا وفنيا
وذهنيا حتي إذا ما دفع به المدرب أدي علي أكمل وجه . و حين بدأت الفرق
الإنجليزية إدخال طريقة اللعب التي تعتمد علي الليبرو الساقط خلف المساكين
بدأ في تطوير أدائه ليتلائم مع الطريقة الجديدة وقد سهل عليه الأمر بشدة
الكابتن التيتش ووجوده كمدرب له في هذه الفترة .
وعن
مسيرته كلاعب حدث ولا حرج فقد قاد الأهلي للفوز بالدوري المصري تسع مرات
متتالية في ظاهرة فريدة من نوعها وذلك بجانب بطولتين أخرتين ليصل إجمال
عدد بطولات الدوري التي حصل عليها إلي إحدي عشرة بطولة وهو رقم قياسي
يتمتع به المايسترو والكابتن أسامة عرابي ) . كما فاز بكأس مصر ثماني مرات
وفاز عام 1961 بكأس الجمهورية العربية المتحدة ( أيام الوحدة بين مصر
وسوريا ) . وصالح سليم لاعب هداف بطبعه فقد أحرز للأهلي في الدوري 78 هدف
بجانب 14 هدف في مباريات الكأس . ولا زال رقمه القياسي يرعب الجميع ولا
يستطيع أحد علي الإقتراب منه وهو تسجيله سبعة أهداف في شباك الإسماعيلي في
اللقاء الذي فاز به الأهلي 8 / 0 , كما أن له ست أهداف في مرمي الزمالك .
في
عام 1963 إحترف المايسترو في الدروي النمساوي ضمن صفوف فريق جراتس و حقق
معه نتائج طيبة ساعدته علي البقاء في الدوري هناك محتلا المركز الخامس
بعدما أحرز تسعة أهداف منها ستة أهداف في لقاء واحد مما جعل الجمهور هناك
يطلقون عليه الفرعون المصري . ولكن لعدم قدرته علي التكيف مع الغربة
والمعيشة في أوروبا عاد المايسترو بعد مرور أربعة شهور من سفره كأول محترف
مصري يتلقي عرضا من نادي أجنبي للإحتراف في صفوفه . وللمايسترو تجربة في
السينما المصرية حيث قام بتمثيل ثلاثة أفلام هي الشموع السوداء الفيلم
الخالد , والباب المفتوح والسبع بنات ولكنه إكتفي بهذا القدر وقرر التفرغ
للكرة وشؤونها .
ولم
تكن نجاحات المايسترو مع المنتخب بأقل من نجاحته مع الأهلي حيث قاد اللاعب
ككابتن للمنتخب مصر للفوز بكأس الأمم الأفريقية الثانية لها علي التوالي
عام 1959 بعدما هزمت مصر إثيوبيا 4/0 والسودان 2/1 . وشارك المايسترو مع
المنتخب أيضا في دورة الألعاب الأوليمبية ( روما 1960 ) وكذلك الدورة
العربية بمدينة فاس المغربية عام 1961 .
وفي أكتوبر عام 1965 فكر المايسترو في الإنتقال من الأهلي للترسانة وهو الأمر الذي رحب به جميع لاعبي الترسانة وعلي
رأسهم حسن الشاذلي ومصطفي رياض ولكنه لم يستطع إرتداء قميص أخر غير قميص
الأهلي فعاد مرة أخري ولعب في لقاء المحلة عام 1966 و فاز الأهلي 1/0 و
لكنه لم يكن في يومه فهاجمته بعض الجماهير فقرر الإعتزال نهائيا و
خوض مجال الإدارة قبل أن يهديه الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر وسام
الرياضة عام 1967 ولكن مباراة إعتزاله تأخرت حتي عام 1980 حيث توقفت الكرة
في تلك الفترة بعد النكسة وأقيم لقاء إعتزال جماعي لكل من الكابتن ( صالح
سليم ورفعت الفناجيلي وعادل هيكل وطه إسماعيل وميمي الشربيني ومحمود
الجوهري وطارق سليم ) تخيل عزيزي القاريء هذا العدد الضخم من الأساطير
يقومون بالإعتزال في لقاء واحد .
وإنتقل
المايسترو للتألق في مجال أخر وهو الإدارة حيث عمل كمدير للكرة عام 1971 و
نجح في التعاقد مع هيديكوتي الذي قاد الأهلي لسلسلة من الإنجازات في فترة
السبعينات . ولكن هذا الأمر لم يدم طويلا حيث لم يكمل عمله طويلا بسبب
التدخل في عمله حيث حدث خلاف إداري مع أعضاء مجلس الإدارة عقب إصداره قرار
يمنع أي منهم من النزول إلي أرض الملعب أثناء التدريبات أو المباريات
الودية وهو الأمر الذي لم يعحبهم فقرروا تعيين نائبا له وهو الكابتن حلمي
أبو المعاطي و قرر الإستقالة . فتوجه لمجلس
الإدارة ورشح نفسه لعضوية المجلس عام 1972 ونجح نجاحا ساحقا ولكنه إستقال
فورا بعدما قرر مجلس الإدارة إذاعة إحدي مباريات الأهلي كان مجلس الإدارة
قد قرر عدم إذاعتها , و بعد الضغوط الأمنية عدل عن قراره فإستقال صالح
لأنه لم يستطع أن يري الأهلي يخضع للضغوط . وعمل في هيئة قناة السويس
لفترة قبل أن يفتح مشروعا خاصا للغزل والنسيج مع شقيقه عبد الوهاب عام
1974 ولكنه لم يوفق ليتجه للإستيراد والتصدير وأسس شركة سليمكو ولكن لم
ينجح أيضا ليقرر العمل كوكيل لعدد من الشركات الأجنبية في مجال المقاولات .
وبعد
مرور عامين كبر طموح المايسترو فقرر الترشح علي مقعد الرئيس أمام الفريق
مرتجي الذي كان رئيسا للأهلي للعام العشر في ذلك الوقت وحصل المايسترو علي
عدد 45 % من الأصوات و لا يستطيع أن يحقق حلمه والغريب أن الكابتن صالح لم
يقم بأي حملة إنتخابية وحصل علي هذا العدد من الأصوات رغم أن المرشح الذي
كان أمامه هو الفريق مرتجي .
وفي
عام 1980 أصر المايسترو علي الترشح مرة أخري لمجلس الإدارة مرة أخري ولكن
هذه المرة نجح نجاحا ساحقا بعدما سانده نجوم الكرة ( الخطيب ومصطفي يونس
وغيرهم ) وكذا نجوم السلة ليفوز الرجل بجدارة و يصبح بذلك أول لاعب في
تاريخ النادي الأهلي يجلس علي مقعد رئيس مجلس إدارة الفريق الأعرق في
أفريقيا والشرق الأوسط ورفع شعار الأهلي فوق الجميع هذا الشعار الذي ظل
صامدا منذ تلك الفترة وحتي يومنا هذا وسيظل صامدا للأبد بإذن الله .
وبعدما نجح في الإنتخابات أقام حفلا لتكريم كل من لم يوفقوا في الإنتخابات
في واحدة من أجمل مواقف المايسترو .